قصة صاحب الجنتين :
(ذكرها ربنا في 13 آية في كتابه من الآية 32-44 في سورة الكهف)
(32) واضرب لهم يا محمد مثلا وهذه طريقة الله عزوجل كثيراً في محاجاة
الكافرين ضرب الأمثال ورواية قصص السابقين ، اروي لهم يا محمد قصة رجل أنعم الله
عزوجل عليه بأن رزقه بستانين جميلين مملؤين بأشجار العنب وفيها أشجار النخيل تحيط
بأشجار العنب من الخارج وبين كل هذه الأشجار وتلك زروع ونباتات في الأرض ... تخيل
هذه الصورة القرآنية الجميلة الرائعة .
(33) هاتان الجنتان أثمرتا عن آخرهما ولم ينقص من ثمارهما شيئاً ومن
الروعة والجمال والمنفعة للزرع والأشجار أن يجعل الله عزوجل في وسط هاتين
الحديقتين العظيمتين نهراً جارياً بل لفظة "فجّرنا" توحي لك بأن منبع
خروج النهر وتدفقه في وسط الجديقتين فيا له من منظر جذاب رائع مبهج ، ووالله إني
لأحمد الله عزوجل أن جعل هذا الجمال في الأشجار والثمار وهاتين الحديقتين ليست لي
!!
(34) وهذا الرجل لما كان وقت الحصاد وأثمر بستاناه قال لصاحب له _وقد
بدأ معه حوارٌ يريد أن يستعرض فيه كبره وخيلاؤه _ أنا أكثر منك في المال والولد.
(35) ودخل بستانه وهو مغترٌ بنفسه مخدوعٌ بما عنده مبتلي بما آتاه
الله من نعمة قال لصاحبه لا أعتقد أن هذه
البساتين خاصتي يمكن أن تهلك أو تدمر وتنتهي .
(36) ولا أعتقد أيضا أن هناك يوماً آخر للحساب تهلك فيه هذه البساتين
_فالساعة من أسماء يوم القيامة _ولو افترضنا إمكانية حدوثه فإن ربي سيكافئنا بما
هو خير من تلك البساتين في الآخرة ، "يظن المسكين ويظن ويظن وما علم أن الظنّ
لا يغني من الحق شيئاً .. وأن علمه ظنّ ووعد الله حق ويقين أن يهلك المتعالين
والمتكبرين ويدمر أشياءهم في الدنيا ثم إذا كان الآخرة كان لهم الخسران المبين ..
ولا أدري من أين أتي بكلامه "أن الله يجازيه خير من هذه البساتين في الآخرة
؟" وهذا ممن يقال لهم في كتاب ربنا "قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف
الله عهده أم تقولون علي الله مالاتعلمون ؟" .. يا لكبرياؤه وحماقته وغباؤه
!! أيظن ربه أحمقاً مثله ؟! حاشاه سبحانه .
(37) ثم ذكره صاحبه أثناء حوارهما بالله عزوجل بفضله عليه وكيف يكفر
بمن خلقه من أدني المواد وأقلها وأحقرها التراب ثم من النطفة وهي منيّ الإنسان
فمكث في بطن أمه تسعة شهور حتي صيّره
منهما رجلاً كبيرا وأفاض عليه من نعمه
فكيف يكفر ؟ (خلق من التراب فهذا خلق أبينا آدم أبو البشر "كلكمم لآدم وآدم
من تراب" وهذا هو الخلق الآول ، ثم الخلق المباشر من مني الرجل وبويضة المرأة
يجتمعان في رحم المرأة أثناء الجماع )
(38) لكن صاحبه المؤمن يعلن له في إصرار وتحدٍ عن إيمانه بالله ربه
سبحانه وينفي تماماً عن نفسه أن يشرك بالله الواحد الأحد الذي خلقه ، وهذه أحد طرق
الدعوة إلي الله .
(39) ثم ينصحه ويقول له : "إنك ما دمت تري وتظن أنني أقل منك في
المال والولد _وهذا في الأصل غير صحيح فالغني غني النفس والإيمان بالله خير غني
للمرء ومن لم يرفعه عمله عند الله لم يرفعه ماله ولا ولده_ فعليك أن تحمد الله
وتشكر نعمته فتقول عند دخولك لبستانيك "ماشاء الله لا قوة إلا بالله "
وهذه الجملة القرآنية كثير من المسلمين يعلّقونها مكتوبة في لافتة علي حدائقهم
ومزارعهم وهذا عادة طيبة جميلة.
(40) ثم دخل معه صاحبه منحني آخر في الحوار وهو "التخويف"
فلعل الله أن يرزقني خيراً من بستانيك ويرسل عليها صواعق أو عذاب من السماء
فيهلكها جميعاً ويدمّرها فيساويها بالأرض والتراب وتصير البساتين خراب !!
(41) أو يأمر ربنا الأرض أن تبتلع الماء وتشربه فلا تستطيع أن تسقي
فكيف لك أن تطلب ماءا في باطن الأرض وأعماقه ، وهو في كل هذا يبين له أنه ليس بغالبٍ
علي حال وليس بمعجز الله في أرضه فهو مهما علا وتكبر فإنه يعلو في الأرض كما قال
ربنا عن فرعون "إن فرعون علا في الأرض" والمرء مهما وصل من المال
والأولاد والجاه والسلطان والمكانة بين الناس فله نهاية في الأخير فلا داعي للكبر.
(42) وبعد أن ذكر ربنا عزوجل هذا الحوار القوي بين صاحب الجنتين
وصديقه المؤمن وبين منهج كل منهما في الحوار وأسبابه ودوافعه التي ينطلق منها ..
ذكر الله مباشرة النهاية "وأحيط بثمره" وانظر للفظ "أحيط" يدل
علي الإحاطة الكاملة والإدراك التام لثماره وحدائقه علي كبرها وجمالها وعظم ثمارها
فالله غالب دائما لا ريب في ذلك .
فصار هذا الرجل يقلب كفيه كناية عن الندم والحسرة الذي لحقا ببساتينه
وحدائقه وما أنفقه من ماله علي الزرع والبذر والسقي ثم لم ينل الحصاد !!
وصارت البساتين خاوية علي عروشها "وهذا التعبير مناسب جداً في
بساتين وأشجار العنب" فندم الرجل وعرف خطؤه وقال "يا ليتني لم أشرك
بالله " ولكن بعد أن وقع المحظور وضاع نعيم الدنيا ولعل الله أن يقبل توبته
ويغفر له في الآخرة فهو الغفور الرحيم... وإن تاب و أحسن فلعله ينال ماكان يتمني "ولئن رددت إلي ربي لأجدن خيراً
منها "
(43) ثم يخبرنا ربنا أنه علي الرغم من ماله وولده اللذين افتخر بهما
علي صاحبه إلا إنه لم يجد من ينصره حين حلّ به العذاب ونزلت نقمة الله علي زروعه
وثماره ..وحتي لو كان له فما كان لينتصر فهل يملك أحد في هذا الكون أن يمنع عذاب
الله عن إنسان ؟ بالطبع لا .
(44) هناك في الآخرة النصرة الحقيقية من الله لعباده المؤمنين به حقاً
العارفين بفضله الشاكرين لنعمه وهي خير النصرة فالله عزوجل خير من يجازي بالثواب
وخير من يؤول إليه الأحوال والمآل.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق