قصة موسي والخضر .. الجزء الثاني (الآيات 71-82)
نكمل هنا أحداث القصة الشيّقة حيث التقي الصاحبان وسارا عبر المكان
لتدور بهم أحداث الزمان ويصنع الخضر لما لم يكن في الحسبان .. وقد أخبر موسي أنه
لا طاقة له علي الصبر لعدم الخبرة ، ضف علي ذلك النسيان .. فدعونا نري ما فعل
الرفيقان !!
(71) انطلق الصاحبان وكان المشهد الأول لهما أن ركبا سفينة فلما ركبا
عمد الخضر إلي جانب من جوانب السفينة حيث لا يراه أحد وبدأ يثقبها فانفجر فيه موسي
غضبا وهو القوي الأمين كيف لك أن تخرق السفينة ؟ أتريد أن تغرق الناس وتغرقنا ؟
(72) فما كان من الخضر إلا أن ذكّره باتفاقهما وشرطه وقال "ألم
أخبرك يا موسي أنك لن تستطيع أن تصبر معي علي ما أفعل حتي تتعلم ؟
(73) فاعتذر موسي إليه سريعا وهدأت نفسه وقال "سامحني ، فقد نسيت
ولا ترهقني بكثرة اللوم والتأنيب"
(74) انطلق الصاحبان من جديد و نزلا من السفينة وسارا في الطريق وكان
هذا المشهد الثاني وجدا غلاما (طفلا صغيرا عمره ) فجاء به الخضر ثم قتله أمام موسي
وهنا عاد موسي من جديد يستنكر علي صاحبه ما فعل ويقول له " كيف تقتل نفسا
بريئة لم ترتكب ذنبا ولا جرما ولم تقتل أحدا ليكون ذلك قصاصا ؟"
(75) وهنا ذكره الخضر من جديد بوعده له بالصبر وعدم العصيان أو السؤال
ولكن زادت حدة التعبير هذه المرة "ألم أقل لك أنك لن تصبر؟!" ولم تكن
"لك" في الموقف الأول موجودة .
(76) فاستحي موسي من نفسه ووضع لنفسه هو شرطاً وقال له "إن سألتك
عن شيئ آخر تفعله غير هذا فاتركني ولا تصاحبني وقد أعذرت والله في ذلك"
(77) فانطلق الصاحبان ثالثاً حتي وصلا إلي قرية طلبا من أهلها الطعام
والمؤونة فهما عابرا سبيلا وتقتضي النخوة والشهامة أن يساعدهما أحد من هذه القرية
إلا أن القرية كان أهلها أهل سوء فلم يقبل
أحد إستضافتهم أو تقديم الطعام إليهم ، فقصد الخضر سورا وحائطا من حوائط أحد
البيوت أوشك أن ينهد وينهار فأصلحه وعدله ورده سليما قائما كما كان _وهذا الأمر
كان هينا إذ لم يكن فيه قتلا ولا هلاكا لأنفس _ فعاتبه موسي (عليه السلام) علي ما
فعل وقال له "هلا طلبت أجراً منهم لذلك الإصلاح والمجهود الذي بذلت ؟ "
(78) عندها قال الخضر لموسي أن هذا آخر موقف له معه وهذه نهاية الصحبة
وهنا نفترق ولكن قبل الفراق سأخبرك يا موسي بتفسير تلك المواقف الثلاثة التي لم
تستطع الصبر عليها وفي كل مرة تلومني !!
(79) أما حال السفينة فإنها كانت لقوم فقراء مساكين يعملون في الصيد
يقتاتون من حرفتهم البسيطة تلك ولكنهم أثناء رحلتهم تلك كانوا سيمروّن بملك ظالم
يأخد كل سفينة سليمة جميلة ليس بها عيب من أصحابها ظلماً وغصباً فأردت أن أجعل بها
عيباً بسيطاً وأدعو أصحاب السفينة إلي إصلاحه فهو لن يغرقهم ولكنه سينجي سفينتهم
من أن يأخذها الملك.
(80-81) وأما هذا الغلام الذي
قتلته فكان له أبوان مؤمنان بالله وهو سيشبّ فاسداً عاقاً لوالديه وسيذيقهما ألوان
العذاب والكفر والطغيان ، فلما قتلته منعت ذلك وسوف يرزق الله والديه ولداً آخر أبرّ وأرحم بهم من ذلك الغلام.
(82) وأما إصلاح الجدار فكان وراءه قصة أيضا لا تعلمها يا موسي وهي أن
هذا البيت كان ميراثا لطفلين يتيمين صغيرين في هذه المدينة والبيت به كنز لهم فلو
ظهر الكنز وهما مازالا صغيرين فإن أهل القرية هؤلاء سوف يأخذون منهم هذا الكنز
لصغرهما وهم اهل سوء ، فأراد الله أن يحفظ الكنز للطفلين حتي يشبّا ويكبرا وذلك لأن
جدهم كان رجلا صالحا فحفظ الله له ذريته من بعده ، وكل ما فعلته يا موسي في تلك
المواقف الثلاثة كان من تدبير الله عزوجل وتعليمه إياي وهذا ما لم تكن تصبر عليه
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق